تاريخ الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج من الآيات العظيمة التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم والواجب على المسلم اعتقاد صحتهما وأنهما منقبتان عظيمتان اختص الله بهما نبينا صلى الله عليه وسلم من بين الرسل.
قال سبحانه وتعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } .
قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره" : " والحق أنه عليه السلام أسري به يقظة لا مناما، من مكة إلى بيت المقدس، راكبا البراق، فلما انتهى إلى باب المسجد؛ ربط الدابة عند الباب، ودخله، فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين، ثم أتي بالمعراج، وهو كالسلم ذو درج يرقى فيه، فصعد فيه إلى السماء الدنيا، ثم إلى بقية السماوات السبع، فتلقاه من كل سماء مقربوها، وسلم على الأنبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتى مر بموسى الكليم في السادسة، وإبراهيم الخليل في السابعة، ثم جاوز منزلتهما- صلى الله وسلم عليه وعليهما وعلى سائر الأنبياء- حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام؛ أي : أقلام القدر بما هو كائن، ورأى سدرة المنتهى، وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددة، وغشيتها الملائكة، ورأى هناك جبريل على صورته، وله ست مائة جناح، ورأى رفرفا أخضر قد سد الأفق، ورأى البيت المعمور، وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه؛ لأنه الكعبة السماوية، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة، ثم يتعبدون فيه، ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، ورأى الجنة والنار، وفرض عليه هنالك الصلوات خمسين، ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفا بعباده، وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها، ثم هبط إلى بيت المقدس، وهبط معه الأنبياء، فصلى بهم لما حانت الصلاة، ويحتمل أنها الصبح من يومئذ، ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات أنه أمهم ببيت المقدس، لكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه، والظاهر أنه بعد رجوعه إليه؛ لأنه لما مر بهم في منازلهم؛ جعل يسأل عنهم جبريل واحدا واحدا، وهو يخبر بهم، وهذا هو اللائق؛ لأنه كان أولا مطلوبا إلى الجناب العلوي؛ ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذي أريد به؛ اجتمع فيه- أي : بيت المقدس- هو وإخوانه من النبيين، ثم ظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل عليه السلام في ذلك، ثم خرج من بيت المقدس، فركب البراق، وعاد إلى مكة بغلس .(1)
متى وقعت حادثة الإسراء والمعراج:
والإسراء والمعراج حق و الإيمان به واجب ولا يشك في ذلك مسلم، ولقد أسري بروحه وجسده حسب قول جمهور أهل السنة حتى وصل إلى سدرة المنتهى صلوات الله وسلامه عليه وهو مقام لم يبلغه أحد من الأنبياء قبله وهذا مما خصه الله به صلوات الله وسلامه عليه ، لكن ليس هناك دليل قاطع على أنه كان في شهر رجب أو غيره من الشهور والعلماء اختلفوا في تجديد اليوم الذي وقعت فيه حادثة المعراج على أقوال كثيرة و ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (لم يقم دليل معلوم لا على شهرها , ولا على عشرها , ولا على عينها , بل النقول منقطعة مختلفة , ليس فيها ما يقطع به )(2)
وقال الحافظ ابن رجب:" اختلفوا في الشهر الذي وقعت فيه فقيل كان ذلك في السابع والعشرين من رجب ،وقيل في شهر رمضان ، وقيل في شهر شوال،وقيل في شهر ربيع الأول،وقيل في شهر ربيع الثاني"(3)
وقال أبو شامة : ( وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب ، وذلك عند أهل التعديل والجرح عين الكذب )(4)
"وجزم إبراهيم الحربي بأن المعراج: كان في ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة ، ورجحة ابن المنير في شرح السيرة لابن عبد البر وقيل: قبل الهجرة بسنة وشهرين.
وقيل : بسنة وخمسة أشهر قاله السدي ، وأخرجه من طريقة الطبري والبيهقي،فعلى هذا كان في شوال،أو في رمضان على إلغاء الكسرين منه ومن ربيع الأول،و به جزم الواقدي،وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره ابن قتيبة.
وحكاه ابن عبد البر أنه كان قبلها بثمانية عشر شهراً .
وعند ابن سعد عن ابن أبي سبرة أنه كان في رمضان ، قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً .
وقيل كان في رجب حكاه ابن عبد البر ، وجزم به النووي في الروضة" .(5)
وقال الحافظ ابن كثير : أن من العلماء من يرى أن الإسراء والمعراج وقع قبل الهجرة بستة عشر شهراً وكان ذلك في شهر ذي القعدة وذكر أن بعض الناس ادعى أن ذلك كان أول ليلة جمعة من شهر رجب وعقب على ذلك بأنه لا أصل له .(6)
وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز :" وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها ، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث،(7)
يقول الشيخ مصطفى العدوي: مما لا شك فيه ولا امتراء أن قضية الإسراء و المعراج حق،ولكن لم يثبت سندٌ ببيان تاريخ هذه الحادثة، فهل هي في ليلة السابع والعشرين من رجب؟ أم هي في شهر ربيع؟ أم هي في ذي القعدة؟ أم هي في شعبان؟ أم في أوائل رجب؟ فلم يثبت بذلك خبرٌ عن المعصوم عليه الصلاة والسلام، ولا عن أحدٍ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم"(
يبقى السؤال إذا كان هناك خلافا كبيرا بين أهل العلم غي تحديد اليوم والشهر الذي وقعت فيه حادثة الإسراء والمعراج ولم يقم دليل معلوم ثابت وصحيح على تاريخ وقوع حادثة الإسراء والمعراج ، فمن الذي أنشأ الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب من كل عام ، وهو احتفال منتشر في كثير من البلدان الإسلامية.
نشأة الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج:
لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضي الله عنهم – احتفلوا بذكرى الإسراء والمعراج ، ولم يخصوها بشيء ، "ولو احتفل بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لعرف واشتهر ، ولنقله الصحابة - رضي الله عنهم - إلينا فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة ، ولم يفرطوا في شيء من الدين ، بل هم السابقون إلى كل خير "(9)
ويرجع الشيخ "مصطفى العدوي" نشأة هذا الاحتفال إلى الدولة العبيدية – المعروفة باسم الفاطمية- يقول الشيخ العدوي : ": لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم احتفل بها، ولم يرد أن الصحابة من بعد رسول الله احتفلوا بها وجعلوها عيداً كما يصنع الناس الآن، ولم يرد أن التابعين احتفلوا بذلك، ولا أتباع التابعين، ولم يرد أن أصحاب المذاهب الفضلاء الأربعة احتفلوا بها، والغالب على الظن أن الذين أدخلوها هم المنسوبون كذباً على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يقال لهم: (الفاطميون) وهم البرابرة الذين أتوا من المغرب واستوطنوا مصر فأحدثوا فيها، وأدخلوا في الدين ما ليس منه، وأدخلوا في الدين هذه البدع والخرافات والترهات"(10)
ويقول الشيخ الدكتور "يوسف القرضاوي ":" إن الذي ابتدع هذه الموالد والاحتفالات الفاطميون في مصر ، ومن مصر انتقل إلى بلاد أخرى ، وربما كان وراء ذلك أهداف سياسية معينة ! أنهم يريدون أن يشغلوا الجماهير والشعوب بهذه الموالد وهذه الاحتفالات ! حتى لا يبحث الناس في أمور السياسة ولا في أمور القضايا العامة إلى آخره !"(11)
وكانت بداية ظهور هذه الاحتفالات في القرن الرابع الهجري مع ظهور بنو عبيد، المتسمَّوْن زورًا بالفاطميين؛ انتسابًا إلى فاطمة بنت محمد - عليه الصلاة والسـلام - ورضي الله عنها وأرضاها.
ومن ثم خرجوا على الخلافة العباسية، وأقاموا الدولة الفاطمية في مصر والشام. ولم يرتضِ المسلمون في مصر والشام سيرتهم في الحكم، وطريقتهم في إدارة شؤون الناس؛ فخاف بنو عبيد من ثورة الناس عليهم، فحاولوا استمالة قلوبهم، وكسب عواطفهم بإحداث الاحتفالات البدعية، فاخترع حاكمهم آنذاك المعز لدين الله العبيدي: مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - وموالد لفاطمة وعلي والحسن والحسين ولجماعة من سلالة آل البيت رضي الله عنهم وأرضاهم ، وتتابعت في دولتهم احتفالات أخرى اخترعوها، لم تكن من قبلُ في الإسلام؛ كالاحتفال بالهجرة، ورأس السنة الهجرية، وليلة الإسراء والمعراج، وغيرها كثير.
وتعددت الاحتفالات والموالد في العصر الفاطمي وكان الهدف من ذلك هو العمل على النشر الدعوة العبيدية الباطنية وإلهاء الشعب عن التغيير الديني الذي يحدث في البلاد ومحاولة استمالة الشعب السني من خلال عواطفه وإقامة الحفلات وتوزيع الطعام و الأسمطة.
وظلت هذه الاحتفالات والموالد عند بني عبيد في مصر وبعض الشام، إلى أن انتهت دولتهم، وورثها مَن كانوا بعدهم، ولم يعرفها بقية المسلمين في شتى البقاع؛ بل أنكروها ولم يقبلوها تكملة القرن الرابع، وطيلة القرن الخامس والسادس؛ إذ انتقلت عدوى هذه الاحتفالات في أوائل القرن السابع من مصر إلى أهل إربل في العراق، نقلها شيخ صوفي يدعى الملا عمر، وأقنع بها ملك إربل في العراق "أبا سعيد كوكبري" ثم انتشرت بعد ذلك في سائر بلدان المسلمين.
ومنذ ذلك الوقت استمرت هذه الاحتفالات في الأمة حتى وقتنا الحاضر وقد ورثها بسطاء المسلمين من الروافض الباطنية غير مدركين للأبعاد الحقيقية التي من أجلها أنشئت هذه الاحتفالات وظنا منهم أنها من الدين وساعد على ذلك انتشار البدع في المجتمعات واندثار العلم الشرعي وفشو الجهل والتعصب بين المسلمين.